الدكتور ليث عبدالله القهيوي
يصادف ذكرى مرور خمسة وعشرين عامًا على تولي جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين سلطاته الدستورية، ممثلاً لحظة فارقة في تاريخ المملكة الأردنية الهاشمية, في هذه المناسبة العزيزة، يعود بنا التاريخ إلى السابع من فبراير 1999، اليوم الذي بدأ فيه جلالته مسيرة قيادية ملهمة، محملاً بأمانة عظيمة ورؤية طموحة لبناء الأردن وتطويره.
في ظل احتفاءنا باليوبيل الفضي لجلالة الملك عبدالله الثاني، نستذكر بإجلال واحترام الأسس التي وضعها والده الملك الحسين بن طلال، الذي يُعد الباني الأساسي للأردن الحديث الذي تميز عهده بالحكمة والاستشراف، حيث قاد البلاد خلال فترات تحول كبرى، مؤسسًا لمرحلة من الاستقرار والتنمية. كان الملك الحسين بصيرًا في رؤيته لمستقبل الأردن، مركزًا على الوحدة الوطنية والتنمية الشاملة، وهو ما يُعد الأساس الذي بنى عليه الملك عبدالله الثاني، مستمرًا في مسيرة التطور والإصلاح نحو الأفضل.
خلال الخمسة وعشرين عامًا الماضية، شهد الأردن تحت قيادة جلالته تحولات جوهرية على جميع الأصعدة، تجسيدًا لإرادة ملكية صلبة تهدف إلى تحقيق الازدهار والتقدم للوطن وشعبه. من الإصلاحات الاقتصادية والسياسية، إلى تعزيز البنية التحتية، ودعم التعليم والصحة، وصولاً إلى الدفاع عن قضايا الأمة وتعزيز مكانة الأردن على الساحة الدولية، تعددت أوجه العطاء في عهد جلالة الملك عبدالله الثاني.
إصلاحات جذرية وتنمية شاملة:
منذ البداية، وضع جلالته الإصلاحات الاقتصادية والسياسية في صدارة أولوياته، مستهدفًا إرساء أسس دولة حديثة قائمة على العدل والشفافية والديمقراطية. الإصلاحات التي أطلقها جلالته لم تقتصر على تعديل القوانين والتشريعات فحسب، بل امتدت لتشمل تطوير العملية الانتخابية، وتعزيز دور المرأة والشباب في المجتمع، وتوسيع المشاركة الشعبية في صناعة القرار.
على الصعيد الاقتصادي، سعى جلالته إلى تحقيق نمو مستدام يرفع من مستوى معيشة المواطنين، من خلال تشجيع الاستثمارات، ودعم القطاعات الواعدة كالسياحة والزراعة والتكنولوجيا، وتحسين بيئة الأعمال وريادة الاعمال , كما أولى اهتمامًا خاصًا بالمشاريع الصغيرة والمتوسطة لما لها من دور حيوي في دفع عجلة الاقتصاد.
لم تقتصر الإصلاحات التي قادها جلالة الملك على الجوانب السياسية والاقتصادية، بل امتدت لتشمل العديد من المجالات الحيوية الأخرى مثل التعليم والصحة والبنية التحتية والطاقة والمياه. فعلى سبيل المثال، تم إطلاق العديد من المبادرات لتطوير التعليم من حيث المناهج وأساليب التدريس، بالإضافة إلى افتتاح المدارس والجامعات في مختلف مناطق المملكة. كما شهد قطاع الصحة تحسينات نوعية من حيث تجهيز المستشفيات وتدريب الكوادر الطبية وتقديم خدمات الرعاية الصحية الأولية. اما على صعيد البنية التحتية، فقد تم شق الطرق وإنشاء شبكات المياه والكهرباء لربط جميع محافظات المملكة. وفي مجال الطاقة، تم التوسع في استخدام الطاقة المتجددة من خلال مشاريع الطاقة الشمسية وطاقة الرياح.
التزام بالتعليم والرعاية الصحية:
أدرك جلالته أن التعليم هو المفتاح لمستقبل مزدهر، فعمل على تحديث المناهج، وتطوير البنية التحتية التعليمية، وتعزيز فرص الحصول على التعليم العالي. في المجال الصحي، تم توسيع شبكة الخدمات الصحية وتحسين جودتها، ما أسهم في رفع مستوى الرعاية الصحية المقدمة للمواطنين.
دور إقليمي ودولي مؤثر:
على الساحة الدولية، نجح جلالته في ترسيخ مكانة الأردن كقوة استقرار في منطقة تعج بالتحديات. من خلال الدبلوماسية الفعّالة، دافع جلالته عن القضايا العربية والإسلامية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، مؤكدًا على ضرورة الوصول إلى حل عادل وشامل يضمن إقامة الدولة الفلسطينية.
دفاع عن القضايا العربية والإسلامية:
يُعد الملك عبدالله الثاني أحد أبرز القادة العرب والمسلمين الداعمين بقوة للقضايا العادلة في المنطقة، وخاصةً القضية الفلسطينية. فمن خلال منابر الأمم المتحدة والمحافل الدولية، لم يكف جلالته عن المطالبة بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية. كما يحظى اللاجئون السوريون الفارون من الحرب على بلادهم بدعم ورعاية كبيرين من المملكة الأردنية بتوجيهات ملكية سامية، تأكيداً على التزام الأردن الثابت تجاه الاشقاء العرب.
رؤية وطنية شاملة:
تبلورت رؤية جلالة الملك عبدالله الثاني حول مستقبل الوطن منذ بداية توليه مقاليد الحكم، انطلاقاً من إدراكه العميق لتحديات المرحلة وآمال الشعب الأردني وتطلعاته. وقد ترجم جلالته تلك الرؤية إلى برامج وسياسات ومبادرات عملية في مختلف المجالات، ساهمت في تحقيق إنجازات هامة على طريق الإصلاح والتنمية والتطوير.
في هذه الذكرى العزيزة، يقف الأردنيون جميعًا، حكومة وشعبًا، ليجددوا العهد والولاء لجلالة الملك عبدالله الثاني ، مستلهمين من رؤيته الطموحة وقيادته الحكيمة العزم على مواصلة مسيرة البناء والتطوير. إن اليوبيل الفضي لتولي جلالته السلطات الدستورية ليس فقط مناسبة للاحتفال بما تحقق من إنجازات، بل هو أيضًا لحظة للتطلع إلى المستقبل بثقة وأمل، متسلحين بإرادة لا تلين في سبيل تحقيق الأفضل للأردن الحبيب وشعبه الوفي.